يعتبر حضور مؤتمر هرتسيليا، أو “هرتسيليا” كما ينطقها البعض، محطة جديدة في استكشاف وفهم أطياف السياسة الإسرائيلية والإسرائيليين، وكذلك من حضروا أو شاركوا في جلساته. وكان الاستقصاء هو مفتاح كل النقاشات لفهم تفاصيل المقاربات الأخيرة تجاه المنطقة (الصينية/الأميركية) والتحولات المحتملة التي قد تنتج عنها في التوازنات الإقليمية. وعلى الرغم من تنوع وجهات النظر الإسرائيلية، إلا أن الهاجس الأمني يبقى الهاجس الأمني هو المحرك الأساسي والحاكم لنظرتها الإقليمية، يليه تطوير ما أرسته اتفاقيات إبراهيم. وثالثها تحقيق “التطبيع” مع المملكة العربية السعودية، وهو ما يتجلى في حثهم الحليف الأميركي على توظيف كل ثقله السياسي مع الرياض لتحقيق ذلك. أما القوة الدافعة الثانية فهي الوضع السياسي غير المستقر في إسرائيل الذي “يصد” أي إمكانية لمثل هذا التقارب، رغم عدم حساب تكاليف أو عواقب مثل هذا التوجه من الجانب الإسرائيلي، أو فهم واستيعاب أولويات الرياض من منظورها السعودي والإسلامي.

على الجانب الأمريكي، يبرز عاملان: امتداد المقاربة الصينية للشرق الأوسط إلى ما بعد الاتفاق السعودي الإيراني، ومدى تشابهها مع المقاربات الأوروبية، وكذلك تأثير تقارب المقاربتين على النفوذ الأمريكي في المنطقة، خاصة بعد تراجع الملف النووي كأحد أهم محركات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة. وتخشى واشنطن من تحقيق الرياض اختراقًا في الملف النووي الإيراني عبر الوساطة الصينية، ومدى التحول في الموقف الأوروبي تجاه نفوذ بكين في إعادة تشكيل محور صعب من المنظور الجيوسياسي الأمريكي.
ما هو غائب أو محجوب عن المنظور الجماعي (الأمريكي-الإسرائيلي) تجاه المنطقة هو إمكانية تطوير منظور إقليمي مشترك يضمن تحقيق المصالح المشتركة لجميع الأطراف المعنية، وكذلك التوافق الإقليمي في الأولويات وفي مقدمتها استعادة الاستقرار واستدامته من خلال كافة الآليات التي تضمن الاستدامة (أمنية، اقتصادية، اجتماعية).
مع التأكيد على أنه من المستحيل استبعاد الهاجس الأمني الجماعي لجميع دول المنطقة منذ أكثر من عشرين عاماً (منذ غزو العراق عام 2003)، مع افتراض أن استدامة المنظور الأمني الأمريكي الإسرائيلي المشترك للمنطقة أصبح غير قابل للاستمرار. كما أن التسليم بتأجيل آليات بناء الثقة بين أطراف عملية السلام في الشرق الأوسط (إسرائيل والسلطة الفلسطينية)، حتى لو تم تأجيل الحل المستدام فإن هناك آفاقاً للتنمية من خلال الجغرافيا الاقتصادية المشتركة (الأردنية – الفلسطينية – الإسرائيلية) قادرة على خلق واقع مختلف عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي القائم. إذا كانت هناك جهود داعمة لخلق محركات قادرة على خلق محركات قادرة على تحقيق مقاربات غير تقليدية وداعمة لمنظور إقليمي مشترك، متكافئ من حيث التأثير واتفاقات إبراهيم، وتأسيس ثقافة إقليمية مشتركة.
المقال الأصلي